في الذكرى الثانية عشرة للإبادة الجماعية: نساء شنكال يكتبن فصلاً جديدًا من النهوض والمقاومة

تمرّ علينا اليوم الذكرى الثانية عشرة للإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم “داعش” بحق الإيزيديين في شنكال، والتي لم تكن مجرّد مجازر، بل محاولة ممنهجة لاقتلاع شعب من جذوره، لا سيما النساء. ومع أن الألم ما زال عميقًا، إلا أن المرأة الإيزيدية لم تسمح له أن يكون نهاية الحكاية، بل بداية لنهضة ومقاومة فريدة في تاريخ المأساة والبطولة.

بداية المأساة: عندما تُرك الإيزيديون وحدهم

في صباح 3 آب/أغسطس 2014، شنّ تنظيم داعش هجومًا عنيفًا على قرى وبلدات شنكال، بعد أن أحكم قبضته على مدن مثل الموصل وتلعفر ، دون أن يواجه مقاومة تُذكر. ورغم أن الآلاف من قوات البيشمركة كانوا متمركزين في المنطقة، فإنهم انسحبوا فجأة، وتركوا المدنيين يواجهون مصيرهم بوحدهم ، وهو ما اعتبره كثيرون خيانة لا تقل خطورة عن وحشية داعش

أسر الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، وقتل الآلاف من الرجال بدم بارد، وتم بيع النساء في أسواق النخاسة، واقتيد الأطفال لغسل أدمغتهم. في الجبال، مات المئات من الجوع والعطش. ومع ذلك، وسط هذا الظلام، بدأت أولى ملامح المقاومة.

المرأة التي حملت البندقية بدلًا من الألم

رغم أن الهجوم استهدف النساء بشكل خاص، إلا أن المرأة الإيزيدية لم تكن ضحية صامتة. دخلت مقاتلات من وحدات YJA-STAR وHPG إلى شنكال بإمكانات متواضعة، فقط لحماية الأبرياء، وتبعتهن وحدات YPJ وYPG من روج آفا. هذه الخطوة أنقذت الآلاف وخلقت أول نواة لقوة نسوية جديدة.

من رحم المأساة، وُلدت “وحدات نساء شنكال” (YJŞ)، وهي أول قوة عسكرية مكوّنة بالكامل من نساء إيزيديات. تأسست رسميًا في عام 2015، وبعد عام عُقد أول مؤتمر لها، معلنة أن المرأة ليست فقط ضحية للإبادة، بل مقاومة وصانعة للحرية. وشاركت هذه الوحدات في معارك كبيرة، منها تحرير مدينة الرقة، حيث حررت العديد من النساء الإيزيديات الأسيرات.

توثيق الجرح وتحويله إلى قوة سياسية: TAJÊ

في عام 2016، تشكّلت “حركة حرية نساء الإيزيديين” (TAJÊ) لتكون الجناح السياسي والاجتماعي للنساء الإيزيديات. هذه الحركة لم تكن مجرّد رد فعل، بل منصة للتنظيم والتدريب الفكري والسياسي والعسكري، تهدف إلى تمكين المرأة في مجتمعها بعد أن كان يُراد لها أن تُمحى.

TAJÊ قادت جهودًا لتوثيق الجرائم، وتنظيم النساء في القرى والبلدات، وبناء مؤسسات تعليمية وثقافية، وجعلت من المرأة فاعلًا أساسيًا في صناعة مستقبل شنكال.

مقاومة تتحدى النسيان

رغم كل الإذلال والتنكيل، وقفت نساء مثل “الأم گولي “وقفة شرف، وقاتلت بسلاح حتى الشهادة، ونساء اخريات   “في ذروة الألم، حين بدا العالم أصمًّا أمام صرخات نساء شنكال، قررت جيلان وزيري أن تكونا صوتًا لا يُنسى. رفضتا أن تُكسَر كرامتهما، أو يُستباح جسدهما باسم الدين أو الحرب. وفي لحظة عزّ نادرة، اختارتا الموت بأيديهما على أن تُمتهن إنسانيتهما. لم يكن انتحارهما هروبًا، بل وقفة بطولة تعلن أن الحرية لا تُنتزع، وأن المرأة الإيزيدية لا تُركَع. كانت جيلان وزيري مشعلًا في ليل العبودية،وهناك من قُتلن حرقًا، كما في مأساة الموصل حيث قُتلت 19 امرأة إيزيدية لأنهن رفضن اعتناق الإسلام.

ولكن رغم ذلك، لم تنهزم الروح. المرأة الإيزيدية أثبتت أنها مفتاح النهوض من تحت الأنقاض. لقد كانت المقاومة بصوت أنثوي، لكنه قوي بما يكفي ليحفظ هوية شعب بأكمله.

في الذكرى الثانية عشرة: ولادة من الرماد

تُحيي النساء الإيزيديات هذه الذكرى اليوم ليس بالبكاء على الأطلال فقط، بل بالتجدد. في العام الثاني عشر للإبادة، تُعلن النساء أنهن قادرات على صنع مستقبل جديد. وأنهن، رغم الألم، وجدن في المقاومة والوعي والتنظيم طريقًا للحرية.

“المرأة هي مفتاح النهضة ”، هكذا تلخّص نساء شنكال رحلتهن من الأسر إلى القيادة، من الألم إلى البوصلة، ومن الجرح إلى السلاح والفكر والعمل.

إحياء هذه الذكرى هو تأكيدٌ على أننا لم ننسى، ولن نغفر للجلادين، ولا لمن تواطأ معهم بالصمت أو التواطؤ أو التخلي. هو وعدٌ أن تظل شنكال حرة، وأن تبقى المرأة الإيزيدية عنوانًا للشجاعة، وأن تكون كل دمعةٍ سالت، وكل صرخةٍ في السوق، وقودًا لثورة لا تنطفئ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى