ضد كل التراجع والاستسلام خط الخدمة العسكرية للنساء؛ الرفيقة بيريتان

دلفین شەنگالي

 كما هو معلوم، يصادف يوم الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، استشهاد الرفيقة بيريتان. كان قد قال القائد عبد الله أوجلان “إنني أُنشئ جيش للنساء تخليداً لذكرى الرفيقة بيريتان”. وإذا فكر المرء في سؤال لماذا أسس القائد جيش المرأة تخليداً لذكرى الرفيقة بيريتان؟ بالطبع، سيتبادر إلى الذهن روح التضحية وشخصية الرفيقة بيريتان، التي أصبحت درعاً ضد الاستسلام والخيانة. بفضل سكونها مواقفها ونشاطها، جسدت الرفيقة بيريتان كخطٍّ واضح المعالم، ثابت في حضوره، لا يُمحى من ذاكرة المقاومة. لقد حولت الغضب والحزن اللذين كانت تشعر بهما تجاه حقيقة العدو إلى ابتسامة، وفي اللحظة ذاتها أعلنت عن أي القيم اختارت أن تُمثّل ودفعت حياتها ثمناً لحماية تلك القيم. لقد أصبحت رمزاً وخطاً دفاعياً عن الكرامة والجوهر. الرفيقة بيريتان هي الحقيقة المجسدة للمرأة المقاومة.

إنها صرخة وصوت مقاومة شعب كردستان الذي يسير نحو الحرية. الرفيقة بيريتان تُعرف كقائدة ومؤسسة جيش المرأة. وبناءً على هذه الحقيقة، فإننا كتنظيم نحيي ذكرى تأسيس جيش المرأة في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر. أي أننا في هذا اليوم نستحضر ذكراها ونحيي في الوقت نفسه يوم تأسيس جيش المرأة. انطلاقاً من هذا الأساس، يمكن القول إن الرفيقة بيريتان، بشخصيتها الواعية، المقاومة والمناضلة، أصبحت منذ سنوات جزءاً لا يتجزأ من حركتنا، ورمزاً لكل النساء الساعيات إلى الحرية في وجه الخيانة. واليوم، كحركة نواصل السير على درب ذلك الخط من النضال والمقاومة الذي رسمته بيريتان بدمها وموقفها.

منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، حين يتشكل المجتمع، فإن القيم المجتمعية تُحمى، ويمكن للأم/المرأة أن تصون ضمير وأخلاق المجتمع برحمة قلبها، والتاريخ مليء بأمثلتها، ويمكن للإنسان أن يرى في أمه تجسيداً لهذه الحقيقة. ولهذا السبب، حين تسعى السلطات والقوى الانتهازية إلى السيطرة على المجتمع، فإنها تبدأ بمحاولة السيطرة على المرأة، وتنفذ ذلك عبر الإبادة. في مواجهة هذه الحقيقة، ما لم تعرف المرأة نفسها وتحمي ذاتها في كل مجال، فلن تبلغ الحرية، ولن يستطيع المجتمع أن يحقق حريته. وقد تجلت هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً في مجزرة عام 2014 بحق شعبنا الإيزيدي، لأن الشعب الإيزيدي وخاصة النساء يحملن تاريخاً عميقاً ومقاوماً. ورغم مرورهن بالعديد من المجازر، فإن جوهرهن المرتبط بالأرض ومقاومة حكمة الأم لم يُقبل يوماً من قبل العقلية الذكورية والسلطوية القومية، بل وُضع في مواجهة مباشرة مع المجازر. بيد القوى التي أنشأت السلطة المهيمنة، أي داعش، تم إبادة النساء الإيزيديات اللواتي كنّ يمثلن جوهر المجتمع الطبيعي، وتم بيعهن في الأسواق والبازارات، وواجهن خيانة من أفظع ما يكون. وحتى اليوم، ما زلن يواجهن الإبادة الثقافية التي تمارسها المنظومة الرأسمالية والدولة القومية. لا شك أن حماية الجوهر في شخصية المرأة أمر بالغ الأهمية لكل مجتمع. ومن خلال حماية هذا الجوهر وتأسيس جيش المرأة، باتت المرأة قادرة على مواجهة كل أشكال الإبادة بثقة وإرادة عظيمة، وتحطيم كل أشكال الخيانة. وخاصة في حالة الشعب الإيزيدي وكل الشعوب التي تواجه باستمرار خطر الإبادة والحروب الخاصة. في مواجهة كل الانحطاط الذي تفرضه قوى الهيمنة والمنظومة الرأسمالية على المجتمع، فإن الطريق الوحيد هو العودة إلى الجوهر، وامتلاك حكمة جيش المرأة هو السبيل لكسر الإبادة والمجازر وظلم السلطة.

الرفيقة بيريتان في مواجهة خط الخيانة الذي امتد عبر التاريخ حتى يومنا هذا، والذي تسير عليه قوى مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK)، وقد شكّل عائقاً أمام العديد من المجتمعات والحركات، اختارت ما يليق بكرامتها وهو أن تلقي بنفسها من قمم الجبال، بدلاً من أن تسلّم نفسها للمحتلين وحلفائهم. هذه التضحية لم تكن فقط رفضاً للاستسلام، بل كانت أيضاً إعلاناً رمزياً ضد كل أشكال الخيانة والانكسار، ورسالة خالدة لكل الحركات التي تواجه خطر التفكك. في زمنٍ أصبحت فيه حياة المرأة رهينة لعقلية سلطوية وتحالفات ذكورية، حيث يُفرض الاستسلام كقدر محتوم، كما فعل الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) حين تخلى عن الإيزيديين في فرمان 2014، وتركهم وسط الحصار واللاجدوى، جاءت شهادة الرفيقة بيريتان كردٍّ عظيم على هذا الاختناق، واختارت طريقاً يبعث على التنفس والكرامة. وفي عصر حوّل فيه النظام الرأسمالي المرأة إلى سلعة في السوق ودفعها إلى حافة الهاوية، وسحق كل مقاومة نسوية تحت أقدامه، أصبحت بيريتان رمزاً لطريق حرية المرأة في مواجهة كل أشكال التسلط، القرب الزائف، والدهاء السلطوي، ومصالح القوى المهيمنة. لقد ارتبطت شهادتها بعلامة اجتماعية لا تزال حتى اليوم تُلهمنا كحركة وكقضية نواصل النضال من أجلها. في كل أنحاء العالم، باتت النساء مستلهمات من شهادة رائدات مثل الرفيقة بيريتان، تدافعن عن أنفسهن ومجتمعهن.

حين ينظر الإنسان إلى الوراء، أو يتأمل في تاريخ الحركة، يرى أن الإرث النضالي للرفيقة بيريتان قد أصبح منبعاً للعديد من الإنجازات. الرائدات العظيمات في مسيرة التحول؛ شهيداتنا اللواتي من خلال شخصياتهن، أعطين لحياة المرأة معنى جديداً. لم يعد الزمن في هذا العالم ملكاً للهيمنة الذكورية. كل رفيقة شهيدة، من خلال أسلوب انضمامها قد دمجت لون المرأة، شكلها، وجوهر جمالها في خط المقاومة. وكما فعلت الرفيقة بيريتان حين جعلت من شعرها صوتاً يقول “المرأة كلما خاضت الحرب، تحررت، وكلما تحررت، ازدادت جمالاً” فإن هذه الحقيقة تواصل إشعال جذوة المعنى. بهذا الشكل، نساءنا أسّسن ملحمة حياة جديدة وتقدّمن بها. النساء اللواتي جسّدن هذه الحقيقة في ذواتهن، هن من يقدّمن اليوم الجواب على السؤال “من هي المرأة الحرة، وكيف تعيش؟”.

عندما يُقال “من هي المرأة الحرة؟”، فإن أول من يتبادر إلى الذهن هنّ هؤلاء النساء الرائدات. لأنهنّ، من خلال نمط حياة بديل صغنه في شخصياتهن، ومن خلال امتلاكهن لادعاء كبير على طريق الحرية، جسّدن كيف يمكن لكل امرأة أن تصبح قوة قيادية ومؤدية لمهمة حركة حرية المرأة. حتى في بدايات تأسيس جيش المرأة، ورغم كل العقبات، وانعدام الإمكانيات، وقلة الخبرة لم يتراجعن. لأنهن كنّ يحملن يوتوبيا وطن حر وحياة حرة بقوة وإيمان. وبفضل ريادتهن، نشأت هوية جديدة للمرأة، امرأة تفكر تتخذ قراراتها تمتلك الرؤية، تقاتل وتدفع كل من حولها نحو النضال. وهكذا، في الحقيقة التي تمثّلها جيش المرأة، برزت هوية جديدة للمرأة إلى الوجود.

في الحقيقة، لم يُؤسَّس جيش المرأة في أي وقت باعتباره مجرد تشكيل عسكري. بل إلى جانب البنية العسكرية، تم تأسيس بنية اجتماعية، ثقافية وسياسية أيضاً. وعلى هذا الأساس، من الضروري أن ندرك أن تنظيمنا النسوي، وفكر المرأة، والجنولوجيا، وبشكل عام التنظيم النسوي الذي يُعرف اليوم باسم KJK، يستمد جذوره من جيش المرأة. أي أن كل تلك التقدّمات قد تبلورت داخل تجربة جيش المرأة. منذ بدايات التأسيس، لم تكن أي خطوة نسوية مقتصرة على الجبال فقط، بل امتد إلى المجتمع بشكل مباشر. واليوم، تجاوز هذا التقدم حدود كردستان، وأصبح في موقع يؤثر على العالم بأسره. ولهذا، فإن خط الرفيقة بيريتان لم يكن فقط من أجل تحرير النساء الإيزيديات، بل من أجل حرية جميع نساء العالم، ليصبح كالخبز والماء لا يُستغنى عنه.

الرفيقة بيريتان، بروحها الفدائية والمقاومة، واجهت خط الخيانة والاستسلام بكل ما تملك. لم تكن فقط رمزاً للمواجهة العسكرية، بل كانت أيضاً قدوة في شخصيتها الغنية بالمعرفة، الفكر، والفن، مما جعلها مصدر إلهام للعديد من المقاتلات والمناضلات في التنظيم. وعلى هذا الأساس، حين يتذكر الإنسان الرفيقة بيريتان، يتذكر الإرادة والمعرفة. فإذا اختُزل نضالها فقط في خطوة عسكرية، فإن ذلك سيكون ظلماً لها وللإرث الذي نحميه اليوم باسم جيش المرأة. كما أن التاريخ يشهد على ثورات عديدة كان للمرأة فيها دور أساسي، واليوم أيضاً هناك الكثير من النساء اللواتي يواصلن هذا الدور داخل صفوف الجيش. لكن النساء اللواتي شاركن في جيوش الثورة، مهما سعين لنيل بعض الحقوق، كثيراً ما انتهى بهن الأمر إلى القتل، أو إلى أن يُستخدمن كأدوات أكثر هشاشة في يد السلطة، أو كنسخ مشوهة من النظام السلطوي نفسه، داخل بنيته. أما اليوم، فإن إرث الرفيقة بيريتان، الذي تم ترسيخه بفكر وفلسفة القائد أوجلان، قد أصبح منارة. بخطوات عظيمة، تتقدم كل تجربة وتتحول تدريجياً، لتسير نحو حرية المجتمع. أي أن إرث بيريتان وجيش المرأة لم يعودا محصورين بالجبال فقط. في كل مكان يوجد فيه نضالنا، تم إعلان جيش المرأة الخاص بنا. واليوم، وحدات حماية المرأة (YPJ)، قوات حماية المرأة الحرة (HPJ)، ووحدات المرأة الإيزيدية (YJŞ) قد شكّلت جيش المرأة المجتمعي الخاص بها، وأصبحت تعبيراً حياً عن هذا الإرث.

نحن اليوم في شنكال، نسير على خطى نضالٍ تم خلقه، ونحمل إرث أولئك النساء اللواتي في لحظة من القهر والاضطهاد أُجبرن على الخضوع لعقلية داعش المدمّرة. لكن مع وصول قوات YJA-STAR، وبفضل المقاومة التي واجهت قوى الدم والظلام، كُشف للعالم وجه جديد للمرأة. لقد استيقظن وبوعيٍ وإرادةٍ مستندة إلى دماء الشهيدات، أسّسن قوتهن. واليوم، كل من يسير بالإيمان والذاكرة، يصبح أكثر قوة بامتلاك الوعي. نساء شنكال لم يعدن ضعيفات. ذلك الرجل الذي كان يفرض سلطته وظلمه على المرأة، في شخصها وفي المجتمع، بات يخاف من ظلها. كما أن داعش، التي تحسب حساباً لقوات YJŞ، أو تلك التي تريد مهاجمة المرأة والمجتمع الإيزيدي، لم تعد قادرة على التحرك بسهولة في الميادين السياسية، العسكرية، أو حتى الفكرية. لأن هناك الآن جيشاً نسوياً يحمي مجتمعه، ويحاسب على السياسات والاحتلالات المدمّرة، ويطرح سؤالاً على كل من سفك دمه على هذه الأرض: من أنتم، وماذا فعلتم؟ يجب أن يُحاسب تنظيم YJŞ من جميع الجهات، حتى لو كانت الهجمة صغيرة وتأتي من قوى تفكر فقط بمصالحها وتتجاهل بعض الحسابات. لأنه بات يمتلك القوة التي تستطيع أن تقدم ردوداً كبيرة وتطالب بالمحاسبة، مهما طال الزمن، يجب أن يأتي ذلك الحساب، ولو لم يُطلب. فالعقلية الفاشية والقومية المتطرفة يجب أن تُهزم بيد المجتمع وبنات شنكال. وكما هو حال YJŞ، نحن لسنا من أولئك الذين يريدون نشر خط الاستسلام واليأس عبر حروب خاصة ومخفية. بل نحن، في مواجهة كل أنواع الهجمات الخاصة والجسدية، مثل YJŞ، نحمل فكر وفلسفة القائد أوجلان، ونسعى لحياة حرة، ونمتلك القوة والاستعداد لنكون رداً ومقاومةً عظيمة.

وعلى هذا الأساس، يمكن للمرء أن يقول، على خطى إرث الرفيقة بيريتان كيف أصبحت نساء الإيزيديات اليوم صاحبات جيش وريادة من أجل حرية المجتمع؟ من أجل كل النساء وكل المجتمعات، وبفضل مكتسبات سنوات من النضال والمقاومة، أصبح نموذج جيشنا النسوي النموذج الأكثر بديلاً.

بهذا الشكل، نستذكر مرة أخرى وبإجلال كبير جميع شهداء شهر تشرين الأول من خلال شخصية قائدنا العسكرية الشهيدة بيريتان.

هذه المقالة مأخوذة من العدد الثاني لمجلة نيسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى